تقرير أممي يحذر من «الآثار الكارثية» للديون على إعمال الحق في الغذاء
تقرير أممي يحذر من «الآثار الكارثية» للديون على إعمال الحق في الغذاء
شهدت العقود القليلة الماضية تعاقب دورات الأزمات، ونوبات من ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية والمجاعة. ولهذه الأزمات أسباب وجذور متعددة مترابطة وهي تتفاقم.
جاء ذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، المقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ58 التي تتواصل فعالياتها حتى 4 أبريل المقبل، حول الديون السيادية وتأثيرها على إعمال الحق في الغذاء، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
وقال فخري، إن معدل انعدام الأمن الغذائي وأخطاره ازداد منذ انتهاء برامج الإغاثة المؤقتة، التي وُضعت في سياق التصدي لجائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، في حين ارتفعت تكاليف المعيشة سريعاً.
وتسهم المنظومات الغذائية الصناعية بنحو ثلث غازات الدفيئة، ما يؤدي إلى تغير المناخ والحد من التنوع البيولوجي، ويمكن أن تقلل التدابير القائمة على حقوق الإنسان من التأثير الضار لتغير المناخ على الإعمال الكامل للحق في الغذاء، وتحويل المنظومات الغذائية بطريقة تساعد على التخفيف من تغير المناخ.
وأضاف المقرر الخاص، أن السياسات المتعلقة بالحق في الغذاء كانت فيما مضى تُعنى بتحسين إنتاج الأغذية وحفظها من خلال التركيز على الكفاءة وسلامة الأغذية والنمو الاقتصادي، غير أنه منذ سبعينيات القرن العشرين انخفضت أعداد كائنات الحياة البرية بنسبة 73 في المئة، وانخفضت كائنات الحياة البرية في نظم المياه العذبة العالمية بنسبة 85 في المئة.
وحمل فخري المنظومات الغذائية المسؤولية عن 80 في المئة من إزالة الغابات و70 في المئة من استخدام المياه العذبة على مستوى العالم، وهي السبب الأكبر لفقدان التنوع البيولوجي البري.
وأشار المقرر الخاص إلى أنه في مواجهة الأزمة المالية لعام 2008، عمدت جميع البلدان تقريباً إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية ومستثمري القطاع الخاص لدعم مؤسسات الأعمال المتضررة، وكان الافتراض العملي هو أن الإيرادات الضريبية الناتجة عن الانتعاش والتوسع الاقتصاديين ستسمح بسداد تلك القروض.
وبدلاً من ذلك، اعتباراً من عام 2020، اضطرت الحكومات في جميع أنحاء العالم، بسبب جائحة كوفيد - 19 وعواقبها الاقتصادية المدمرة، إلى جانب ارتفاع الطلب على الإنفاق العام، إلى الاقتراض مرة أخرى بمعدلات غير مسبوقة، ما رفع الديون السيادية إلى مستويات قياسية.
وفي أعقاب الجائحة، رفعت المصارف المركزية في البلدان الغنية أسعار الفائدة للحد من التضخم، ما أضر بوجه خاص بالبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وبحلول نهاية عام 2023، بلغ إجمالي الديون الخارجية المستحقة على جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل رقماً قياسياً قدره 8.8 تريليونات دولار.
وفي العام نفسه، أنفقت البلدان النامية مبلغاً قياسياً قدره 1.4 تريليون دولار على خدمة ديونها الخارجية، حيث شكلت مدفوعات الفائدة المرتفعة معظم الزيادة في مدفوعات خدمة الديون الإجمالية، وفي المتوسط، أنفقت تلك البلدان 6 في المئة من عائدات صادراتها على مدفوعات الفائدة وحدها، وإن ارتفعت هذه النسبة في بعض الحالات إلى 38 في المئة.
وبحسب التقرير، اضطرت حكومات عدة، من أجل تسديد أقساط قروضها، إلى خفض الإنفاق العام خفضاً كبيراً، بما في ذلك الإنفاق على خدمات اجتماعية أساسية تعد حيوية لضمان توفير الغذاء الكافي لأفقر شرائح المجتمع وأكثرها تضرراً، مثل النساء المسنات والأمهات العازبات.
ولاحظت الخبيرة المستقلة المعنية بآثار الديون الخارجية للدول، وما عليها من التزامات مالية دولية أخرى ذات صلة، في التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن مشروع ميزانية الأرجنتين لعام 2023 توقع زيادة بنسبة 15 في المئة في مدفوعات فوائد الديون على حساب أمور أخرى منها انخفاض بنسبة 12 في المئة في الإنفاق على البرامج الاجتماعية، بما في ذلك بدلات الغذاء ومدفوعات إعالة الأطفال.
وفي الوقت نفسه، أدى التضخم إلى زيادة كبيرة في تكلفة الأغذية، ما زاد من صعوبة الحصول عليها للأسر المنخفضة الدخل، وأوقع المزيد من الناس في براثن الجوع، وتنفق الدول المستوردة للغذاء مبالغ أعلى كثيراً لاستيراد نفس الكمية من الغذاء، ما يؤثر بوجه خاص في الدول المنخفضة الدخل.
ويسهم عدم استدامة المنظومات الغذائية المعاصرة، وعدم المساواة فيها، في الديون الخارجية. ويُعزى ذلك بوجه عام إلى عوامل تميز المنظومات الغذائية في تفاعلها مع المالية العامة.
وينشأ العامل الأول من اعتماد المصارف والتجار بصفة متزايدة على دولار الولايات المتحدة. فهيمنة الدولار تجعل الدول التي تعتمد على التجارة عرضة للتأثر بالاقتصاد السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، وتحت رحمة الاحتياطي الاتحادي للولايات المتحدة، لأنه يحدد أسعار الفائدة.
والنتيجة على مر العقود هي أن العديد من البلدان النامية صممت منظومات غذائية متخصصة في المحاصيل التجارية لغرض التصدير من أجل جذب العملات الأجنبية، وخاصة الدولار، وغالباً ما يكون ذلك على حساب المحاصيل الغذائية المتنوعة التي اعتاد السكان المحليون استهلاكها.
وتواجه بلدان عدة خيارات مستعصية بين إطعام الناس وخدمة الديون. غير أن الحكومات بدأت فعلياً بتوجيه موارد كبيرة نحو منظوماتها الغذائية، وفي سياق أزمة الديون السيادية في جميع أنحاء العالم، يجب وضع خطط عمل لإعادة تصميم الميزانيات الغذائية القائمة لغرض عاجل وهو تحويل المنظومات الغذائية. بحسب التقرير.
وقال فخري، إن التغييرات الخاصة بالحق في الغذاء تتطلب تعاوناً دولياً؛ لذا تقتضي خطط العمل الوطنية للحق في الغذاء تمويلاً انتقالياً من المؤسسات المالية والإنمائية الدولية.